top of page
  • Facebook - Black Circle
  • Twitter - Black Circle
د. محمد منصوري

"الأديان السماوية الثلاث" .. والأخرى جاءت من المريخ ؟!

  • Photo du rédacteur: Admin
    Admin
  • 19 juin 2016
  • 4 min de lecture

لعل كل مغربي نشأ وترعرع على هذه المقولة: "الأديان السماوية الثلاث". وأصبح هذا التصنيف بديهيا لا يقبل حتى المراجعة والنقاش. لذلك سأبدأ بطرح الأسئلة التالية: هل اليهود يعتقدون فعلا أن المسيحية دين سماوي؟ وهل المسيحيون واليهود يعتبرون الإسلام من الأديان السماوية؟ ثم ما معنى أن يكون الدين سماويا؟ وماذا نعني بالدين أصلا؟ إذا وجدتم أن تساؤلاتي منطقية، فلا بأس إذن من مراجعة بعض المفاهيم.

أظن أن الدين فعلا هو رؤية لا غنى عنها في عالمنا اليوم تحكم الأفكار الشخصية والمجتمعية، لكن مفهومه فضفاض جداً ومعانيه تختلف بين ما هو متداول من مدلولاته اللغوية والسوسيولوجية وبين التعريفات القادمة من صلب الأديان نفسها. فمثلا ما نعرفه عن الدين إجمالا هو كونه مصطلح يطلق على مجموعة من الأفكار والعقائد التي توضح، بحسب معتنقيها، الغاية من الحياة والكون وما يترتب عن ذلك من أحكام وممارسات ومؤسسات مرتبطة بذلك الاعتقاد. ويبقى هذا التعريف عاما وناقصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن مفهوم الدين تطور عبر أشكال مختلفة في ثقافات شتى. لكن ما يهمنا هنا هو وجود هذا التصنيف بين ما هو أرضي أو وضعي وبين ما هو سماوي أو منزل.

فأن يكون الدين سماويا، هل نقصد به أنه قادم من السماء؟ وأي سماء نقصد؟ تلك السماء المادية التي نراها فوق رؤوسنا ولم نكن حتى ندرك ماهيتها ومنتهاها؟ والتي اعتقدنا أنها مصدر الغيبيات والوحي والكلمات؟ تلك السماء التي اكتشفنا أنها ليست سماءً وإنما هي فضاء لا متناهي ليس فيه لا فوق ولا تحت؟ ففي الكون لا يوجد صعود ولا نزول ولا شرق ولا غرب، وليس هناك أيام ولا شهور فنحن من اخترع اليوم والأمس ونحن من يدور حول الشمس. حسنا ... ربما المقصود هنا هو سماء من نوع آخر. سماء روحانية تعبر عن جزئنا الروحاني الذي لا نعقله، عن الروح ومصدرها ومرجعها، عن الخالق الغيب المنيع الذي لا ندركه.

لكن السؤال الذي يحيرني حقا هو متى ظهر أول دين سواء اعتبرناه سماويا أو أرضيا؟ أو بمعنى آخر في أي مرحلة من مراحل تطور الإنسانية ظهرت الحاجة إلى الاعتقاد والعبادة؟ أم أن الأمر فطري وقد لازمنا منذ الولادة؟ لكي نجيب عن هذا السؤال علينا أن نغوص في تاريخ الأجيال وهو بحر عميق ليس له قرار. فهناك فترة من تاريخنا لم تكن فيها الكتابة موجودة، وحتى بعد أن وجدت ظلت معارف المؤرخين محدودة. فلم يكن من السهل بما كان الوصول إلى المعلومة. ولا ننسى أيضا أنه فيما مضى كان التاريخ يكتبه المنتصرون، وأن جزءا مهما من هذا التاريخ مصدره الدين نفسه ولا يصدقه إلا المؤمنون. فما هي حقيقة الدين يا ترى إذا غاب عنا الإيمان؟ وما هو تاريخنا المشترك إذا استثنينا ما روته لنا الأديان؟

من الناحية العلمية نحن ندرك أننا نتوفر على ذاكرة جينية تعود لملايين السنين وأننا تعرضنا لطفرات جينية متعاقبة سمحت بتطورنا وارتقاءنا. ومع ذلك نبقى عاجزين عن إدراك البداية والنهاية. فكلما اقتربنا من البداية تبين لنا أنها مجرد بداية حقبة، وكلما ظننا أنها النهاية اكتشفنا أنها فقط نهاية مرحلة. فكيف ظهر الكون ونشأت الحياة على الأرض، ومتى خُلق الإنسان أو كيف تطور، وكيف ستكون النهاية إن كانت أصلا هناك نهاية ... كلها فرضيات اختلط فيها البحث العلمي بالموروث الثقافي والديني. والحقيقة هو أن إدراكنا سيبقى نسبيا ما دامت الحقيقة التي نبحث عنها مطلقة.

ومن حيث ظهور الأديان سنجد أن فكرة العبادة والاعتقاد موجودة قدم التاريخ ويمكن أن تكون كذلك من ضمن الأشياء التي يصعب تحديد بدايتها، أو أنها غريزة إنسانية مرتبطة بالعقل البشري الذي يبحث عن الفهم والإدراك منذ طفولته ويحتاج إلى جواب عن كل سؤال. ولكن، بصفة عامة، من بين هذه الأديان المتواجدة حاليا سنجد أن أقدمها لا يشمله هذا التصنيف السماوي. يعني أن هذه الأديان هي من اختراع الإنسان قبل نزول الأديان السماوية. فمن أين له بهذه الفكرة العبقرية التي سبقت الوحي والنبوة؟ وهل يمكن للإنسان أن يخترع شيئا من عدم ثم بعد ذلك يأتي به الوحي منزلا من السماء، والحديث دائما عن الدين وفكرة العبادة والخالق المعبود؟ هل يستقيم هذا الأمر؟ المقصود هو إما أن الأديان كلها أرضية وضعية من صنع الإنسان، أو أنها جميعها سماوية من عند الله وبالتالي فإن دين الله واحد.

حين نتأمل في كل الأديان الموجودة بيننا نجدها متشابهة في كثير من الأشياء. فكلها وبدون استثناء تتمحور حول شخصية عظيمة تركت منهاجا وقدوة بالقول والفعل اتبعه في البداية عدد قليل أغلبهم من المستضعفين وكونوا فيما بعد مجتمعا مترابطا بهوية دينية موحدة ازداد قوة وعظمة مع مرور الوقت وسمح بتطور الفكر والابتكار والهندسة والمعمار. وحتى تحافظ هذه المجتمعات الناشئة على منهاجها الذي تقتدي به كان عليها حفظه وتدوينه ولذلك ظهر "الكتاب". وهنا يبرز الاختلاف المرتبط بوسائل الحفظ والتدوين بين الأديان القديمة التي افتقدت وسائل الكتابة واعتمدت على الحفظ المنقول، فكان من الطبيعي أن يختلط الأصل بما أضافه "المجتهدون"، وتلك التي عاصرت ظهور الخط والكتابة واستطاعت تدوين كتابها في حينها ورغم ذلك اختلفت في فهم المكتوب، فانقسمت فرقا وشيعا وأسست طرقا ومذاهب.

المراد بهذا التحليل هو التأكيد على مدى أهمية فهمنا لتاريخنا المشترك ولهويتنا وحضارتنا الإنسانية بثقافاتها المتعددة، وكيف أننا كونا شعوبا وقبائل مختلفة ومتنوعة. لكن بدل أن نتعارف ونتعايش في سلام، فضلنا باسم الهوية الدينية أن نتقاتل ونتحارب على الدوام. بدل أن يحترم كل واحد منا معتقدات الآخر ويحاول فهمها والتعرف عليها، فضلنا أن نكيل الشتائم ونزرع شوكة الكراهية والخصام.

فما أحوجنا اليوم إلى لَمِّ الشَّمل وتجاوز الخلاف والتركيز على هويتنا المشتركة وعلى الهدف من الدين أكثر من اهتمامنا بالدين نفسه. فالأديان على اختلافها جاءت لنشر السلام والمحبة، وتهذيب النفوس وتليين الطباع الصعبة. كل الأديان تدعو إلى مكارم الأخلاق والصفات النبيلة، وإلى العدل والإحسان وفعل الخير واجتناب الرذيلة. كلنا نعبد من نعتقد أنه خالقنا، وإن أخطأنا فهو من سيحاسبنا. كلنا نؤمن برسول ونقرأ في كتاب، نصلي ونصوم ونخشى يوم الحساب. فما فائدة الرسل والكتب إذن إذا تقاتلنا واستعلى بعضنا على بعض وعشنا باستمرار في حرب ودمار؟ إلى متى ستستمر الكراهية والعداوة والاحتقار؟ إلى متى سيبقى كل قوم بما لديهم فرحين، معتقدين أنهم سيظلون شعب الله المختارين؟ ... متى تصبح الهوية الإنسانية أغلى من كل الهويات الفرعية، هي التي سبقت العرق واللغة والدين؟



Коментарі


GET IN TOUCH

I'd love to hear from you

Send me a message

أخصَّائي الجراحة على السرطان وباحث في علم الجينات

تخصص سرطان الثدي

كاتب ومهتم بالحوارات السائدة في المجتمع

​عيادة الأمل للأنكولوجيا

ـــ

24، شارع السلام ـ طنجة

0539942446

© 2016 . جميع الحقوق محفوظة

  • Facebook Social Icon

Find me on Facebook

bottom of page