الصوم اختيار روحاني قد يساعدنا في علاج السرطان
- Admin
- 14 juin 2016
- 3 min de lecture

شكل اكتشاف العلاج الكيماوي منتصف القرن العشرين نقطة تحول كبيرة في علاج أمراض السرطان. ومنذ ذلك الحين ونحن نواجه هذا الداء الخبيث متبعين نفس المقاربة وهي القضاء على الخلايا السرطانية النشطة باستعمال مواد كيماوية أو موجهة. لكن هذه المواد، وخصوصا الكيماوية منها، تقضي على كل خلايا الجسم النشطة وليس فقط الخلايا السرطانية مثل خلايا الجلد والشعر والخلايا الدموية. وهذا ما يفسر جزءا هاما من الأضرار الجانبية الناتجة عن العلاج.
انطلاقا من هذا المعطى ركزت البحوث والتجارب العلمية على تطوير نوع خاص من الأدوية موجهة بالخصوص ضد الخلايا السرطانية. ولكن إلى جانب كل هذه التجارب كانت هناك تجربة فريدة من نوعها ركزت بالمقابل على الرفع من قدرة الجسم على التحمل وبالتالي على مقاومة الخلايا السليمة للعلاج الكيماوي. الغريب في الأمر هو أن هذا البحث العلمي لم يعتمد تجربة أي نوع من الأدوية واعتمد فقط على ممارسة الصيام أثناء فترة العلاج الكيماوي.
ويرجع الفضل في هذا الاكتشاف لطائر البطريق الذي يصوم بشكل كلي لما يقارب الأربعين يوما وهي مدة حضانته لبيضته، دون حاجته للتزود بالماء والطعام. فقد أثبتت التجارب أن الجسم خلال مرحلة الصيام يزيد من قدرته على التحمل ويتكيف مع الوضع الجديد بشكل مذهل بحيث يحد من نشاط الخلايا ليقتصد في طاقته. وهذا ما لن تقوم به الخلايا السرطانية التي تحولت جينيا وأصبحت لا تكف عن النشاط مطلقا، فهي تعد خارج السيطرة. هذا الوضع لا يقلل فقط من الأضرار الجانبية بل قد يسمح بالرفع من جرعة العلاج الكيماوي مما سيزيد من مفعوله وتأثيره على الخلايا السرطانية. لقد كانت النتائج المخبرية على الفئران أكثر من مشجعة، وكذلك الأمر في إحدى التجارب السريرية على مرضى السرطان لكن، للأسف، هذه البحوث لم ترق بعد لمستوى التطبيق العلاجي خارج إطار التجارب السريرية.
هذا الجانب الصحي والعلاجي في الصيام يطرح تساؤلات عديدة حول مصدر الفكرة ونشأتها في زمن خلت فيه التجارب العلمية. لكن السؤال الذي يتبادر إلى ذهننا مباشرة هو مفهوم "الصيام" وموقعه في تاريخ الإنسانية كاختيار روحاني وليس فقط كغريزة حيوانية تساعدنا على البقاء تم نقلها من خلال الذاكرة الجينية.
فالصيام يعد واحدا من أهم الطقوس الدينية المشتركة بين أغلب الديانات كاليهودية والمسيحية والإسلام والصابئة والبهائية، وكذلك الهندوسية وديانة السيخ والبوذية والطاوية وحتى في عبادات قدماء المصريين. ففي الديانة المسيحية مثلا يُمتنع عن أكل اللحوم بكل أنواعها والحليب بكل مشتقاته لمدة أربعين يوما وبشكل مستمر. وعند اليهود هناك نوع من الصيام يدوم لمدة خمسة وعشرين ساعة متواصلة يجب الإمساك فيها عن كل أنواع الطعام والشراب. ورغم اختلاف هذه الأديان في طريقة تطبيقها للصيام من الناحية الشكلية سواء من حيث عدد الأيام والساعات ونوع المشتهيات التي يجب الإمساك عنها أو من حيث الصيغة الفردية أو الجماعية، فهي تتفق من حيث مبدأ التقليل من حاجيات الفرد في الأكل والشرب.
أما من ناحية المضمون فهي تتفق كذلك في كون الصيام يساهم في تهذيب النفس وتقوية الجانب الروحاني للفرد والجماعة على حد سواء. لذلك نجده يحتل مرتبة مهمة بين كل العبادات. فالصوم فيه اعتكاف، والاعتكاف فرصة للصلاة والدعاء والمناجاة. والصوم أيضا فيه ضبط للإرادة وانتصار على الرغبات وانقطاع عن الملذات وكل الشهوات. وهذا يساعد على التقرب إلى الله والابتعاد عن القول والعمل السيء. إنه فرصة لتجديد نظرتنا للحياة وفهمنا للوجود وإقبالنا على العمل الصالح وفعل كل خير وجود.
إن فهما عميقا لهذه الحقائق العلمية والتاريخية في نفس الآن قد يحثنا على مراجعة مواقفنا من مسألة الصيام. ومن المفترض أن تساهم هذه المراجعة في التركيز على الهدف منه جسمانيا وروحانيا. فإذا كان الصيام يعني الإمساك عن الطعام والشراب طيلة فترة الصوم، فهذا معناه أن ما نتناوله بعد الغروب يجب أن يكون محدودا جدا وليس العكس. وإلا، فحتى من الناحية الصحية ستزول الفائدة، بل وربما ينتج عن هذا الفعل أضرار جسيمة لصحتنا. والإمساك عن المشتهيات من الناحية الروحانية يتعدى مرتبة الفعل، فهو يعني بالأساس الإمساك عن الرغبة في الفعل.
خلاصة القول هو أن الصيام تجربة روحانية بكل ما في الكلمة من معنى، تروض الجسد وتعلمه الصبر والتحمل وتهذب النفس وتحثها على الانقطاع وتنمي فيها الإحساس المرهف والدافع للخدمة وفعل الخير. ومن الناحية الاجتماعية فهو يقوي الروابط الأسرية والعائلية ويزيد من أواصر الود والمحبة بين البرية. فالمفروض إذن أن يكون صيامنا مبنيا على رغبة دفينة في تحقيق هذه الأهداف وليس مجرد عادة تتوارثها الأجيال كفريضة إجبارية.
Comments