الهوية المغربية بين الجذور والحداثة
- Admin
- 17 juil. 2016
- 4 min de lecture

هل سبق وتساءلنا كمغاربة من نحن ومن نكون؟ ما الذي يحدد هويتنا الفردية والجماعية؟ هل نحن أفراد من جماعات شتى بهويات فرعية مختلفة تجمعنا نفس الجغرافيا؟ أم نحن جماعة متجذرة في التاريخ وهويتها الجامعة هي أكبر من هذه الجغرافيا؟ هل الهوية المغربية هي فقط هوية ذاتية مرتبطة بالنشأة والولادة أو بالأصل والوراثة؟ هل يمكن أن تكون هوية اختيارية حتى بدون اكتساب الجنسية؟ واليوم، في ظل المفاهيم الحديثة التي أصبحت تحدد معالم المجتمعات والدول، هل يصح الحديث بعد عن هوية مغربية؟
يختلف تعريف الهوية حسب المنظور اللغوي أو الثقافي أو الفلسفي، لكن المفهوم العام يبقى هو نفسه لأنه مرتبط بحالة "التفرُّد". وبالتالي يمكن تحديد الهوية بناء على مقومات ومواصفات وخصائص معينة تمكن من معرفة صاحب الهوية بعينه دون اشتباه مع أمثاله من الأشباه. الأمر سيان بالنسبة للهوية المجتمعية، فهوية أي مجتمع هي صفاته التي تميزه عن باقي المجتمعات. والحديث عن الهوية المغربية باعتبارها هوية مجتمعية يقتضي أولا إعطاء تعريف لمفهوم المجتمع، لأننا قد نعتقد بأن المجتمع هو فقط تعبير عن الجماعة التي تتقاسم نفس الجغرافيا. فتعريف المجتمع قد يشمل كل جماعة من الناس تتقاسم نمط عيش مشترك بغض النظر عن الارتباط بالأرض، كمجتمع البدو الرحل ومجتمع الغجر، وبغض النظر عن الانتماء أو التواجد الجغرافي، كما كان عليه الحال بالنسبة للمجتمع اليهودي قبل قيام دولة إسرائيل.
على هذا الأساس، هل نحن نتحدث عن مجتمع مغربي يتحلى بمواصفات وخصائص متفردة تميزه عن باقي المجتمعات؟ لأنه في هذه الحالة نكون فعلا بصدد الحديث عن هوية مغربية بصفتها هوية مجتمعية. أما إذا كنا نتحدث عن المجتمع المغربي بوصفه جماعة من الناس مرتبطة بنفس الجغرافيا التي يحددها مفهوم الدولة والوطن والمتعارف عليها دوليا تحت مسمى "المغرب"، سواء كان هذا الارتباط ماديا بحكم العيش والإقامة أو معنويا بحكم صلة الدم والقرابة، ففي هذه الحالة تكون الهوية المغربية مجرد اصطلاح اجتماعي لمفهوم المواطنة المعاصر والمرتبط بالانتماء للأرض والوطن وما يصاحبه من حقوق وواجبات. في هذه الحالة، كذلك، يمكن تعريف المجتمع المغربي على أنه مجموع المواطنين الذين يسمون "المغاربة"، سواء كانوا أفرادا أو جماعات تتميز كل واحدة منها بمواصفات وخصائص معينة. وهنا يتعلق الأمر بهويات مجتمعية فرعية تنتمي إلى نفس الوطن.
وبالمفهوم المعاصر تُعَرَّفُ الهوية المجتمعية بأنها "مُركَّب" من العناصر المرجعية واللغوية والثقافية التي تسمح بتعريف خاص للتفاعل الاجتماعي. وطالما أنها مركب من عناصر فهي بالضرورة متغيرة وفي الوقت نفسه تتميز بثبات معين. فالمجتمع اليهودي مثلا أصبح من جديد مرتبطا بحدود جغرافية، ومجتمعات البدو الرحل بدأت تفقد أهم سماتها الهوياتية المتمثلة في الترحال وعدم الارتباط بوطن معين بسبب ترسيم الحدود التي أصبحت تحد من حركتها وكذلك بسبب ظهور الأوراق الثبوتية التي تفرض عليها حمل جنسية معينة. من جهة أخرى هناك مجتمعات حديثة النشأة متعددة الروافد كالمجتمع الأمريكي والكندي والأسترالي، وهي مجتمعات يتجسد فيها مفهوم المواطنة بما تحمله الكلمة من معنى، وليس ممكنا في حالتها الحديث عن هوية مجتمعية جامعة بالمفهوم التقليدي المتعارف عليه قديما.
لذلك، واعتمادا على تحليلنا لسيرورة العالم الإنساني وانتقاله من حالة إلى أخرى: من القبلية إلى الأمة والقومية إلى الوطنية المتطرفة ذات النزعة الاستعمارية إلى المواطنة الملتزمة بقيم العالمية، سنجد بأن الدول التي لم تؤسس بعد لهوية مجتمعية جامعة بالمعنى الحديث أي المرتبط بمفهوم المواطنة والعالمية هي التي لا زالت تعرف صراعات داخلية وتعاني من حروب أهلية وطائفية، وفي أحسن الأحوال فهي تعيش سلما اجتماعيا هشا ومؤقتا يخضع لتوازنات اقتصادية وسياسية، تماما كما حدث مع أول هبة لرياح التغيير التي صاحبت ما سمي ب "الربيع العربي". وإذا كنا نتحدث عن التجربة المغربية المتميزة وعن الاستثناء المغربي فلأننا كنا سباقين إلى تبني قيم المواطنة ودولة الحق والقانون. كما أننا استفدنا من هذه الأزمة الاجتماعية التي أصابت عددا من الدول العربية لاستقاء الدروس وإعادة النظر في العقد الاجتماعي المؤسس للهوية المغربية حتى يساير أكثر فأكثر هذا الإطار المفاهيمي للمواطنة والعالمية.
من خلال ما سبق، يمكننا أن نستنتج بأن الهوية المجتمعية ليست منظومة جاهزة ونهائية، وإنما هي مشروع مفتوح على المستقبل. فالمجتمع المغربي ليس مجتمعا وليدا وفي نفس الوقت ليس مجتمعا أحادي الهوية، أو بمعنى آخر نحن مجتمع عريق متعدد الروافد الهوياتية. وهويته المجتمعية تخضع لميزان الثبات والتغيير المرحلي وميزان الاستقرار الداخلي واحترام المعايير الدولية. المهم هو أننا اخترنا مفهوم المواطنة كإطار جامع للهوية المغربية. وبالتجربة سيتبين لنا ما يجب تغييره حتى نلتزم بهذا الإطار وما يجب الإبقاء عليه حتى لا نفقد صفة "التفرُّد" الدَّالة على هذه الهوية. من ناحية أخرى، نحن أصبحنا ننتمي إلى مشروع عالمي تتوحد فيه القيم والحقوق والاقتصادات والسياسات. فالأرض وطن واحد وكل البشر سكانه، وإن كان الفخر كل الفخر لمن يحب الوطن فالفخر كل الفخر أيضا لمن يحب العالم. وعلى أيّ، لم يعد بالإمكان تحقيق التقدم بمعزل عن المجتمعات الأخرى، وما يضر بأي جزء من هذا العالم يضر العالم ككل.
وحتى نستمر في تحقيق هذا الانتقال الحداثي بكل سلاسة علينا معالجة معضلة خطيرة، بل آفة مميتة باستطاعتها أن تهد هذا البنيان المرصوص فوق رؤوسنا بمنتهى البساطة. إنها آفة التعصب بكل أشكالها! فحيثما تواجدت هويات فرعية متعصبة، لا نستغرب إن أصبحت هويات متقاتلة مع أول فرصة تتاح لها رغم تظاهرها المسبق بالتعايش. وأول ما ينتج عن التعصب هو اعتقاد مجموعة من الأفراد الذين يتقاسمون نفس الهوية الفرعية سواء كانت إثنية أو عقائدية أو حتى فكرية أنهم الأحق بالأرض والوطن وأن من خالفهم هذا الانتماء الفرعي هم أقلية هامشية ليس لها نفس الحقوق وإن كانت تؤدي نفس الواجبات. ويجد التعصب أرضا خصبة لينمو فيها حين تكون التشريعات والقوانين التي تنظم شؤون المجتمع مبنية على مرجعية فرعية غالبة من حيث العدد أو من حيث التأثير السياسي، لأنها تقصي ما يسمى في هذه الحالة ب "الأقليات" من الانتماء الكلي للمجتمع كما تقتضيه قيم المواطنة.
ومن مخاطر التعصب على مجتمعنا المغربي، والتي يجب الاحتياط منها، هي أن يؤدي هذا التعصب إلى تصاعد موجة العنف اللفظي والجسدي تجاه كل مختلف عنا سواء في الجنس أو العرق أو الدين أو حتى في طريقة التفكير. هذه القابلية في استعمال العنف تظهر بوضوح كلما أحس الفرد بالغلبة الجسدية أو العددية أو من خلال المواقع الالكترونية حيث يختفي قناع التعايش وتنتشر المواقف المتطرفة بكل حرية. وهذا بطبيعة الحال راجع لعدة عوامل من أهمها غياب التربية الأخلاقية والروحانية والتربية على القيم بما فيها قيم التعايش والمواطنة واحترام الآخر المختلف عنا، وكذلك بسبب إحساس بعض فئات المجتمع بالإقصاء وانعدام المساواة والعدالة الاجتماعية مما يؤدي إلى نشوء ردة فعل عنيفة كلما كانت الفرصة سانحة. وحتى الفئة المثقفة من المجتمع والتي يُفترض بها أن تسهم في تنوير الفكر أصبحت تعاني كثيرا من غياب ثقافة الحوار وتغليب أسلوب التخوين والتكفير.
إن هذه القراءة المتواضعة لمجتمعنا بما فيه من إيجابيات وما يعتريه من سلبيات لا ينم عن نظرة تشاؤمية للمستقبل وإنما هي محاولة لتثمين المنجزات ومواجهة التحديات بعزيمة واثقة ونية صادقة. فمن لك غير أبناءك يا وطني، وإن اختلفوا فهم يحتمون بظلك.
Kommentare